صراع التوتر العسكرى بالمتوسط للإستيلاء على مصادر الطاقة

268

كتب /أيمن بحر

تشعل تركيا من منطلق نظرتها العثمانية بتوتر متثاقب وبأنشطة عسكرية ، لهيب صراع التوتر العسكرى بالمتوسط للإستيلاء على مصادر الطاقة ، وتنفذ أجندة سياسية موازية لتدخلها بسوريا وليبيا ، والإتحاد الأوروبى لها بالمرصاد.

الولايات المتحدة الأمريكية تحذرها من التصاعد وتطالبها بإحترام القانون الدولى.

صراع الغاز فى المتوسط أزمة تتفاقم والإتحاد الأوروبى فى ورطة.

فى الخلاف  بين اليونان وتركيا على مخزون الغاز فى المتوسط يتعلق الأمر بقانون البحار وبالدور الجيوسياسى وتركيا ترى وتتوهم نفسها فى مواجهة تحالف من الأعداء.

أزمة كبيرة باتت تتفاقم بسرعة. خلفيات وتعقيدات الأزمة في هذا التحليل، فى أغسطس/آب الحالى تقاربت سفينتان حربيتان إحداهما تركية والأخرى يونانية بشكل كبير فى شرق المتوسط. وفرنسا أرسلت سفناً حربية الى المنطقة لمؤازرة أثينا.

ثلاثة حلفاء فى الناتو فى مواجهة عسكرية ضد بعضهم .

قبل أن تعلن كل من الحكومة اليونانية عن مناورات عسكرية لمدة ثلاثة أيام بالإشتراك مع فرنسا وإيطاليا وقبرص ، بعدها مباشرة أعلنت أنقرة عن تدريبات عسكرية مشتركة بين سفينتين حربيتين تركيتين مع مدمرة أمريكية.

الصراع على مخزونات الغاز فى شرق المتوسط بات يتصاعد منذ أشهر ولكن التطورات الأخيرة دقت جرس الإنذار بالنسبة للإتحاد الأوروبى.

رئيسته الحالية المانيا تبذل جهوداً للتوسط: لا أحد يريد حل هذا الصراع عسكرياً كما قال وزير الخارجية الألمانى هايكو ماس بعد محادثات أجراها مع حكومتى البلدين.

جذور هذا الخلاف تمتد الى ما يقارب 100 عام خلت. فبعد الحرب العالمية الأولى ومن خلال معاهدة لوزان تم ترسيم حدود تركيا الحالية

وريثة الدولة العثمانية التى فقدت السيادة على العديد من الجزر فى بحر إيجة لصالح اليونان ، ومن حينها والبلدان يتنازعان حول المنطقة الإقتصادية الحصرية بين الجزر اليونانية والسواحل التركية.

فى عام 1996 كادت الأمور أن تتطور الى حرب عندما هاجمت القوات الخاصة التركية جزيرة يونانية غير مأهولة. فى عام 2000 قام الإتحاد الأوروبى بترسيم الحدود البحرية لصالح اليونان. ولكن منذ بضع سنوات صار الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يطالب بإعادة صياغة المعاهدات. أما اليونان فتحتج بأن أردوغان لديه أطماع توسعية، وتتمسك بالتقسيم الحالى.

محور آخر للنزاع هى قبرص المقسمة عملياً منذ التوغل التركى فى الجزء الشمالى لقبرص فى عام 1974. ورغم جهود الوساطة الأوروبية المستمرة بقى النزاع المجمد قائماً ليؤثر على علاقة تركيا بالإتحاد الأوروبى الذى قام بدوره فى 2004 بضم الجزء الناطق باليونانية من الجزيرة كدولة عضو فى الإتحاد.

ومنذ تحرك السفن التركية لإجراء تجارب تنقيب بالقرب من شواطئ شمال الجزيرة، صار النزاع يسخن مجدداً.

الولايات المتحدة سبق وأن حددت موقفها ولم يكن لصالح تركيا: نهاية العام الماضى رفعت حظر الأسلحة الى قبرص بهدف ضمان أمن الطاقة فى أوروبا كما قيل حينها. وقبل بضعة أشهر تم تسيير سفن حربية أمريكية فى المنطقة لتنسحب بعدها سفينة التنقيب ريس عروج من هناك.

شركة إكسون-موبيل الأمريكية تنشط فى المنطقة.
فى نوفمبر 2019 وقعت تركيا مذكرة تفاهم مع حكومة فائز السراج التى لم تحظ بتأييد البرلمان ولا القبائل الليبية المنتهية ولايتها ، وبموجب نص المذكرة تحصل تركيا على الحقوق الحصرية للمنطقة الإقتصادية فى شرق المتوسط، وبالتحديد المنطقة الممتدة من جزيرة كريتا حتى قبرص.

حكومتا أثينا ونيقوسيا إحتجتا، والإتحاد الأوربى وقف الى جانبهما، الوضع القانونى هنا معقد جداً، ولكن فى النهاية لا يمكن لليبيا وتركيا أن تعقدا -بدون موافقة دولية- إتفاقا يضر مصالح أطراف أخرى ، فى غضون ذلك إتفقت الحكومة اليونانية مع مصر على التعاون للإستفادة من مخزونات الغاز فى شرق المتوسط إتفاق يتعارض بشكل مباشر مع مذكرة تركيا وليبيا.

إضافة لذلك كانت اليونان قد إتفقت في يناير/كانون الثانى من هذا العام مع قبرص وإسرائيل على مد خط للغاز بطول 2000 كم من أجل نقل كميات كبيرة من الغاز الى أوروبا وتجنب تركيا.

ومؤخرا إنضمت الإمارات العربية المتحدة لدعم المجموعة خصوصاً وأن الإمارات فى صراع مع تركيا ويزعجها تعاون تركيا مع مجموعات إسلامية كالإخوان المسلمين.

وأمام هذه التركيبات الدولية تجد تركيا نفسها معزولة بدون حلفاء. ولدى تركيا أسباب تدفعها لإنتقاد توزيع الحقوق البحرية ويمكنها أن تطالب بإعادة توزيعها أمام محكمة العدل الدولية فى لاهاي ، ولكن بدلا من ذلك يحاول الرئيس التركى بتنفيذ مطالبه عبر إستعراض للقوة العسكرية ويعد مناصريه بتركيا جديدة قوية فى البر والبحر .

ولكن هذه الشعارات الشعبوية تتسبب له بمزيد من الأعداء فى الخارج وتشكل تحالفات ضده.

وزير الخارجية التركى مولود تشاوش أوغلو، أظهر، خلال لقائه بنظيره الألمانى إنفتاح بلاده على قبول الوساطة من الإتحاد الأوربى. ولكن بروكسل تجد نفسها فى موقف صعب: فهي من ناحية تتعامل منذ سنوات بحذر ورفق شديدين مع تركيا بسبب التهديدات التركية المتكررة بإنهاء الإتفاق بين الطرفين حول اللآجئين وفتح الحدود لعبور اللآجئين نحو أوروبا.

ومن ناحية ثانية فإن بروكسل ملتزمة أمام العضوين لديها: اليونان وقبرص. يمكن ببعض التحركات الذكية نزع فتيل الأزمة على المدى القصير من خلال ضم تركيا الى نادى الغاز فى شرق المتوسط. ولكن على المدى المتوسط لن يجدى سوى التفاوض الدولى حول الحوق البحرية فى المنطقة.