“لقــــاء عابـــــر”

261

بقلم – حسام جمال الدين

 

فجأة هكذا بدون مقدمات، كأنما ظهرت من الغيب، تسمر مكانه عندما وقفت تبادله التحية، لم تكن طاغية الجمال، ملامحها ملامح امرأة عادية من بعيد، هكذا هى لمن لم يقترب منها، فيها فتنة طاغية صوتها يتلاعب بقلبك يدخله دونما انتظار او إذن، صوتها يشبه قصيدة غجرية ثائرة.

غجرية خارجة على كل النغم والأوزان، لكنه مثير يزعزع ثباتك عندما تسمعه قريبا منك، عيناها تخترقك تصل إلى دمائك، ننلتقي فترنو بعينيها تحمل كل معاني العشق المكبوت، تتحداك، تحنو عليك وتضمك، تجبرك على النظر إليها ليس إليها ليس ذلك تعبيرًا دقيقا إنما هي تجبرك على النظر في عمقها، حتى إني لم أشغل بالي يوما بمعرفة لون عينيها على الرغم من التقائي بها كثيرا في مرات عديدة عن قرب، ماشغلني هو التأمل في أعماقها، واكتشاف تلك الخلطة الغريبة في نظرتها.

يحدث هذا اللقاء المباغت بعد سنوات من البعد والهجر المعتمد منه ومنها، هي كما كانت النظرة نفسها لم تتغير، اما هو فقد تلاعب به الزمن، غير ملامحه، حفرت الحوادث أخاديد عميقة في وجهه، جسده صار أكثر نحافة، مشيته لم تعد عارمة عنيفة كذي قبل، كثيرون عندما رأوه مع مرور السنوات لم يعرفوه، ولكن هي عرفته من بعيد كأنما هناك علامة خفية هو نفسه لايعرفها، هي فقط تعرفها خبأتها هناك في روحه أو في قلبه أو في ملامحه لايدري، يتوقفان يتصافحان كما تعودا.

صامتين للحظة قصيرة طويلة تنظر إليه النظرة نفسها مختلطة بابتسامة لم يدر فحواها، توقع أن تكون غاضبة منفعلة فهو لم يكلف نفسه عناء السؤال عنها طوال الفترة الماضية، فعل ذلك متعمدا، يكره أن يكون ضعيفا أمام أي شيء أو أي أحد، الآن تنهار قوته كلها دفعة واحدة.

تمنى في اللحظة أن يستشعر ملمسها، أن يعتنقها، أن يغيب معها في لحظات عشق محمومة، لم يفكر يوما هكذا كان يكتفى بمصافحتها متغلبا على ضعفه البشري وغريزته الصارخة، يلوم نفسه كل مرة، لماذا لاتقترب منها أكثر؟!.

يتحدثان حديثا قصيرًا لم يع منه الكثير فهمه كان النظر في عينيها متابعها حركة شفتيها موغلا بعقله في تفاصيل اللقاءات القديمة، متناقض هو دوما يترك اللحظة المحاضرة بحثا عن ماض ذاهب.

تمد يدها لتصافحه مودعة إياه بنظرة طويلة في وجهه كأنما تريد حفظ هذه الملامح الجديدة، تسير في الاتجاه المعاكس له ويغيبها الظلام القابع في طريق سيرها، بينما يستدير هو إلي طريقه المعتاد.

ينظر حوله، الغرفة القديمة التي تلفها الوحدة والبرودة منذ زمن ليس قريبا، يحاول النوم مرة أخرى وجرس المنبه يواصل الرنين معلنا السابعة صباحا.