لولا قلة القراء .. لم يكن مصيري كاتب على رصيف
كتبت/ دينا هاشم
من بائع الحلوي و المناديل لكاتب وشاعر صاحب الثلاثين عاماً يأتي له القراء لشراء الكتب علي الرصيف .
والكاتب المجهول تحدي الإعاقة الذهنية محدثاً الأجيال … لولا قلة القراء مكنش ده حالي رمضان محمد إبراهيم أو ملقب ببائع البهجة و شاعر اسكندرية.
صاحب التفاؤل والصبر علي الشدائد ذو الوجه البريء، رغم ضغوط الحياة وكثرة المصائب واعاقته التي ظن أنها ستكون حائلاً بين هدفة .
وبالرغم من تخلي زوجته عنه … لم يعرف مصيرا لابنه صاحب العام ونصف .. وقبل ذلك تخلي عنه أبناء دمه تركوه في إحدى ليالي الشتاء و في ضواحي الاسكندرية في ظلام الليل الدامس .
حيث وجدت صاحبة الدار طفل بريئ ملقي في القمامة معه أدوات الطفل و ثيابه تليق بأسرة ميسورة الحال، و بجواره ورقة مكتوب فيها اسم المستشفى واثبات لنسبه .
و في يومها ذهبت السيدة إلى المستشفى لتتلقي صاعقة في قلبها الرقيق عندما علمت وفاة أم الرضيع أثناء الولادة وسبقها الأب بعدة أشهر في حادث أليم .
ولعلها كانت بداية سقوط أمطار المصائب التي سيعاني منها رمضان… أما بالنسبة لمن ترك الرسالة بجانب الرضيع طامعين في الإرث . عندها قامت صاحبة الدار بتسمية الرضيع ونقله إلى منزله الجديد.
وبعد فترة حاولت أن تجلب حقه بالقانون ولكن فات الأوان, فروا هاربين خارج البلاد تاركين أخوهم الرضيع يواجه مرارة الحياة وحيدا دون أخ أو أب يأنس بهم .
تصادمت الحياة بشكل أكبر وفي كل يوم وليلة يترك العنان إلى السماء ليتخيل شكل أخواته وشكل الحياة معاهم .
حتى أنه مازال يطالبهم ( أنا مش عاوز ورث أو حاجة أنا عاوزكم تكونوا جنبي وأنا مسامحكم ) كثرت عليه المصائب يوماً تلو يوم.
حتى بعد ما استقل عن الدار الذي نشأ به, محاولاً أن يسلك طريقاً للحياة ناجحا فيه. واجهه عقبات أكثر ومصائب أكبر صمداً أمامها مثل الصخر في الأمواج العاتية يتحدي إعاقته الذهنية .
أحب منذ طفولته التأليف والكتابة ولكنه كان لا يعرف من الكتابة سوى شكل الأحرف. لم يكن هذا عائقا له في تحقيق حلمه الذي يسعى إليه.
وبالفعل بعد أعوام من مرارة العيش و تحمل رمق الجوع الذي يفتك أمعائه، و إدخار ثمن الكتاب من عام إلى آخر ليثقف من نفسه ساعياً وراء حلم الطفولة .
حتي أصبح الآن في الاسكندرية شاعرا يميل الي الفلسفة الذاتية مؤلفاً لعشرات الروايات محققاً سمعه في أرجاء الاسكندرية .
تعلم القراءة والكتابة ثم تعلم النحو والصرف على أيدي طلاب في المرحلة الثانوية حتى أجاد القراءة والكتابة .
لم يترك مجالاً إلا قرأ فيه حتي فن العزف وإلقاء القصائد، والشعر، والخواطر كان يجذب كل من مر نحو محطة القطار .
لم يترك حتي أطفال الشوارع أو حتي المجانين الذين لا مأوي أصحاب الشعر الأشعث والوجه الشاحب يشاركون الحيوانات الضالة في مأكلهم ودورة حياتهم يساعدهم علي نظافتهم واقتسام الطعام معهم وواقع الحياة المؤلم وشق طريق العيش المشتركً بينهم .
وذلك من خلال السعي وراء حلمه…. و بيع البسكوت والمناديل و إدخار المال من عام الى آخر لشراء الكتب أصبح الآن من بائع البسكويت إلى بائع الكتب ومؤلفها على إحدى الأرصفة في الاسكندرية .
لم ينتهي كفاحه بل هي بداية ولعلها مضرب المثل للاصرار، والصبر بالرغم من مصائب الحياة .
لم يفكر في الإنتحار أو في التخلي عن هدفه و تحدى المصائب بالنجاح في تخطيها.
و لازال يحلم بأكثر من ذلك باحثاً عن ابنه خائفا أن يسلك الطريق نفسه وحيداً متحدياً الإعاقة الذهنية ويقول لولا قلة القراء ما كانش ده حالي .